{وما أرسَلْنا في قرية من نذير} أي: نبيّ يُنْذِر {إِلاَّ قالَ مُتْرَفوها} وهم أغنياؤها ورؤساؤها.قوله تعالى: {وقالوا نحن أكثرُ أموالاً وأولاداً}. في المشار إِليهم قولان:أحدهما: أنهم المُتْرَفون من كل أُمَّة.والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن الله خوَّلهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: {وما نحن بمعذَّبين} لأن الله أحسن إِلينا بما أعطانا فلا يعذِّبنا، فأخبر أنه {يبسُط الرِّزق لمن يشاء ويَقْدِر}؛ والمعنى أنَّ بَسْطَ الرِّزق وتضييقه ابتلاءٌ وامتحان، لا أنَّ البَسْطَ يدلُّ على رضى الله، ولا التضييق يدل على سخطه {ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون} ذلك. ثم صرح بهذا المعنى بقوله: {وما أموالُكم ولا أولادُكم بالَّتي تقرّبُكم عندنا زُلْفى} قال الفراء: يصلُح أن تقع التي على الأموال والأولاد جميعاً، لأن الأموال جمع والأولاد جمع؛ وإِن شئتَ وجَّهتَ التي إِلى الأموال، واكتفيتَ بها من ذِكْر الأولاد؛ وأنشد لمرّار الأسدي:نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنْتَ بِمَا *** عِنْدَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُوقد شرحنا هذا في قوله: {ولا يُنْفِقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] وقال الزجاج: المعنى: وما أموالكم بالتي تقرِّبكم، ولا أولادكم بالذين يقرِّبونكم، فحُذف اختصاراً. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وأَبو الجوزاء: {باللاتي تقرِّبكم}. قال الأخفش: و{زُلْفى} هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقرِّبكم عندنا ازْدِلافاً. وقال ابن قتيبة: {زُلْفى} أي: قُرْبى ومَنْزِلةً عِندنا.قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ آمَنَ} قال الزجاج: المعنى: ما تقرِّبُ الأموالُ إِلاَّ من آمن وعمل بها في طاعة الله، {فأولئك لهم جزاءُ الضِّعف} والمراد به هاهنا عشر حسنات، تأويله: لهم جزاءُ الضِّعف الذي قد أعلمتُكم مقداره. وقال ابن قتيبة: لم يُرِدْ فيما يَرى أهلُ النظر- والله أعلم أنهم يُجازَون بواحدٍ مثله، ولا اثنين، ولكنه أراد جزاء التضعيف، وهو مِثْل يُضَمُّ إِلى مِثْلٍ ما بَلَغ، وكأنَّ الضِّعفَ الزيادةُ، فالمعنى: لهم جزاءُ الزيادة. وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ورويس، وزيد عن يعقوب: {لهم جزاءً} بالنصب والتنوين وكسر التنوين وصلاً {الضِّعفُ} بالرفع. وقرأ أبو الجوزاء، وقتادة، وأبو عمران الجوني: {لهم جزاءٌ} بالرفع والتنوين {الضِّعفُ} بالرفع.قوله تعالى: {وهم في الغُرُفات} يعني في غُرَف الجنة، وهي البيوت فوق الأبنية. وقرأ حمزة: {في الغُرْفة} على التوحيد؛ أراد اسم الجنس. وقرأ الحسن، وأبو المتوكل: {في الغُرْفات} بضم الغين وسكون الراء مع الألف. وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: بضم الغين وفتح الراء مع الألف {آمنون} من الموت والغير. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحج: 51، الرعد: 26] إِلى قوله: {وما أَنفقتم من شيء فهو يُخْلِفُه} أي: يأتي ببدله، يقال: أخلف اللّهُ له وعليه: إِذا أبدل ما ذهب عنه وفي معنى الكلام أربعة أقوال.أحدهما: ما أنفقتم من غير إِسراف ولا تقتير فهو يُخْلِفُه، قاله سعيد بن جبير.والثاني: ما أنفقتم في طاعته، فهو يخلفه في الآخرة بالأجر، قاله السدي.والثالث: ما أنفقتم في الخير والبِرِّ فهو يُخْلِفه، إِمَّا أن يعجِّلَه في الدنيا، أو يدَّخرَه لكم في الآخرة، قاله ابن السائب.والرابع: أن الإِنسان قد يُنفق ماله في الخير ولا يرى له خَلَفاً أبداً؛ وإِنما معنى الآية: ما كان من خَلَف فهو منه، ذكره الثعلبي.قوله تعالى: {وهو خير الرَّازِقِين} لمَّا دار على الألسن أن السلطان يرزُق الجند، وفلان يرزق عياله، أي: يعطيهم، أخبر أنه خير المُعْطِين.