سورة سبأ - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


{وما أرسَلْنا في قرية من نذير} أي: نبيّ يُنْذِر {إِلاَّ قالَ مُتْرَفوها} وهم أغنياؤها ورؤساؤها.
قوله تعالى: {وقالوا نحن أكثرُ أموالاً وأولاداً}. في المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم المُتْرَفون من كل أُمَّة.
والثاني: مشركو مكة، فظنوا من جهلهم أن الله خوَّلهم المال والولد لكرامتهم عليه، فقالوا: {وما نحن بمعذَّبين} لأن الله أحسن إِلينا بما أعطانا فلا يعذِّبنا، فأخبر أنه {يبسُط الرِّزق لمن يشاء ويَقْدِر}؛ والمعنى أنَّ بَسْطَ الرِّزق وتضييقه ابتلاءٌ وامتحان، لا أنَّ البَسْطَ يدلُّ على رضى الله، ولا التضييق يدل على سخطه {ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون} ذلك. ثم صرح بهذا المعنى بقوله: {وما أموالُكم ولا أولادُكم بالَّتي تقرّبُكم عندنا زُلْفى} قال الفراء: يصلُح أن تقع التي على الأموال والأولاد جميعاً، لأن الأموال جمع والأولاد جمع؛ وإِن شئتَ وجَّهتَ التي إِلى الأموال، واكتفيتَ بها من ذِكْر الأولاد؛ وأنشد لمرّار الأسدي:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأنْتَ بِمَا *** عِنْدَكَ رَاضٍ والرَّأْيُ مُخْتَلِفُ
وقد شرحنا هذا في قوله: {ولا يُنْفِقونها في سبيل الله} [التوبة: 34] وقال الزجاج: المعنى: وما أموالكم بالتي تقرِّبكم، ولا أولادكم بالذين يقرِّبونكم، فحُذف اختصاراً. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وأَبو الجوزاء: {باللاتي تقرِّبكم}. قال الأخفش: و{زُلْفى} هاهنا اسم مصدر، كأنه قال: تقرِّبكم عندنا ازْدِلافاً. وقال ابن قتيبة: {زُلْفى} أي: قُرْبى ومَنْزِلةً عِندنا.
قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ آمَنَ} قال الزجاج: المعنى: ما تقرِّبُ الأموالُ إِلاَّ من آمن وعمل بها في طاعة الله، {فأولئك لهم جزاءُ الضِّعف} والمراد به هاهنا عشر حسنات، تأويله: لهم جزاءُ الضِّعف الذي قد أعلمتُكم مقداره. وقال ابن قتيبة: لم يُرِدْ فيما يَرى أهلُ النظر- والله أعلم أنهم يُجازَون بواحدٍ مثله، ولا اثنين، ولكنه أراد جزاء التضعيف، وهو مِثْل يُضَمُّ إِلى مِثْلٍ ما بَلَغ، وكأنَّ الضِّعفَ الزيادةُ، فالمعنى: لهم جزاءُ الزيادة. وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ورويس، وزيد عن يعقوب: {لهم جزاءً} بالنصب والتنوين وكسر التنوين وصلاً {الضِّعفُ} بالرفع. وقرأ أبو الجوزاء، وقتادة، وأبو عمران الجوني: {لهم جزاءٌ} بالرفع والتنوين {الضِّعفُ} بالرفع.
قوله تعالى: {وهم في الغُرُفات} يعني في غُرَف الجنة، وهي البيوت فوق الأبنية. وقرأ حمزة: {في الغُرْفة} على التوحيد؛ أراد اسم الجنس. وقرأ الحسن، وأبو المتوكل: {في الغُرْفات} بضم الغين وسكون الراء مع الألف. وقرأ أبو الجوزاء، وابن يعمر: بضم الغين وفتح الراء مع الألف {آمنون} من الموت والغير. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [الحج: 51، الرعد: 26] إِلى قوله: {وما أَنفقتم من شيء فهو يُخْلِفُه} أي: يأتي ببدله، يقال: أخلف اللّهُ له وعليه: إِذا أبدل ما ذهب عنه وفي معنى الكلام أربعة أقوال.
أحدهما: ما أنفقتم من غير إِسراف ولا تقتير فهو يُخْلِفُه، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: ما أنفقتم في طاعته، فهو يخلفه في الآخرة بالأجر، قاله السدي.
والثالث: ما أنفقتم في الخير والبِرِّ فهو يُخْلِفه، إِمَّا أن يعجِّلَه في الدنيا، أو يدَّخرَه لكم في الآخرة، قاله ابن السائب.
والرابع: أن الإِنسان قد يُنفق ماله في الخير ولا يرى له خَلَفاً أبداً؛ وإِنما معنى الآية: ما كان من خَلَف فهو منه، ذكره الثعلبي.
قوله تعالى: {وهو خير الرَّازِقِين} لمَّا دار على الألسن أن السلطان يرزُق الجند، وفلان يرزق عياله، أي: يعطيهم، أخبر أنه خير المُعْطِين.


قوله تعالى: {ويوم يحشُرُهم جميعاً} يعني المشركين؛ وقال مقاتل: يعني الملائكة ومَنْ عَبَدها {ثُمَّ يقولُ للملائكة أهؤلاء إِيَّاكم كانوا يعبُدونَ} وهذا استفهام تقرير وتوبيخ للعابدين؛ فنزَّهت الملائكةُ ربَّها عن الشِّرك ف {قالوا سبحانك} أي: تنزيهاً لك مما أضافوه إِليك من الشركاء {أنت وليُّنا مِنْ دونهم} أي: نحن نتبرَّأُ إِليك منهم، ما تولَّينا ولا اتَّخذناهم عابدين، ولسنا نريد وليّاً غيرك. {بل كانوا يعبُدون الجِنَّ} أي: يُطيعون الشياطين في عبادتهم إِيَّانا {أكثرُهم بهم} أي: بالشياطين {مُؤْمِنون} أي: مصدِّقون لهم فيما يُخبرونهم من الكذب أن الملائكةَ بناتُ الله، فيقول الله تعالى: {فاليومَ} يعني في الآخرة {لا يملكُ بعضُكم لبعض} يعني العابدين والمعبودين {نَفْعاً} بالشفاعة {ولا ضَرّاً} بالتعذيب {ونقولُ للَّذين ظَلَموا} فعبدوا غير الله {ذُوقوا عذاب النَّار...} الآية.
ثم أخبر أنهم يكذِّبون محمداً والقرآن بالآية التي تلي هذه، وتفسيرها ظاهر.
ثم أخبر أنهم لم يقولوا ذلك عن بيِّنة، ولم يكذِّبوا محمداً عن يقين، ولم يأتهم قبله كتاب ولا نبيّ يخبرهم بفساد أمره، فقال: {وما آتيناهم من كُتُب يدرُسونها} قال قتادة: ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن ولا بعث إِليهم نبيّاً قبل محمد؛ وهذا محمول على الذين أنذرهم نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ وقد كان إِسماعيل نذيراً للعرب.
ثم أخبر عن عاقبة المكذِّبين قبلهم مخوِّفاً لهم، فقال: {وكذَّب الذين مِنْ قبلهم} يعني الأمم الكافرة {وما بَلَغوا معشار ما آتيناهم} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: ما بلغ كفار مكة معشار ما آتينا الأمم التي كانت قبلهم من القوَّة والمال وطول العمر، قاله الجمهور.
والثاني: ما بلغ الذين من قبلهم معشار ما أعطينا هؤلاء من الحُجَّة والبرهان.
والثالث: ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم، حكاهما الماوردي.
والمِعشار: العُشر. والنَّكير: اسم بمعنى الإِنكار. قال الزجاج: والمعنى: فكيف كان نكيري؛ وإِنما حُذفت الياءُ، لأنَّه آخر آية.


قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما أَعِظُكم} أي: آمُرُكم وأُوصيكم {بواحدة} وفيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها «لا إِله إِلا الله»، رواه ليث عن مجاهد.
والثاني: طاعة الله، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
والثالث: أنها قوله: {أن تَقُوموا لله مثنى وفُرادى}، قاله قتادة. والمعنى: أن التي أَعِظُكم بها، قيامُكم وتشميركم لطلب الحق، وليس بالقيام على الأقدام. والمراد بقوله: {مثنى} أي: يجتمع اثنان فيتناظران في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمراد ب {فُرادى}: أن يتفكَّر الرجل وحده، ومعنى الكلام: لِيتفكرِ الإِنسانُ منكم وحده، ولْيَخْلُ بغيره، ولْيُناظِر، ولْيَسْتَشِر، فَيَسْتَدِلَّ بالمصنوعات على صانعها، ويُصدِّق الرسول على اتبّاعه، ولْيَقُل الرجلُ لصاحبه: هَلُمَّ فلْنَتَصادق هل رأينا بهذا الرجل جِنَّة قَطّ، أو جرَّبْنا عليه كَذِباً قَطّ. وتم الكلام عند قوله: {ثم تتفكَّروا ما بصاحبكم من جِنَّة}، وفيه اختصار تقديره: ثم تتفكَّروا لتعلموا صِحَّة ما أمرتُكم به وأنَّ الرسول ليس بمجنون، {إِنْ هو إِلاَّ نذير لكم بين يَدَيْ عذابٍ شديدٍ} في الآخرة.
قوله تعالى: {قل ما سألتُكم مِنْ أَجْر} على تبليغ الرسالة {فَهُو لكم} والمعنى: ما أسألكم شيئاً؛ ومثله قول القائل: ما لي في هذا فقد وهبتُه لك، يريد: ليس لي فيه شيء.
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ ربِّي يَقْذِفُ بالحقِّ} أي يُلقي الوحي إِلى أنبيائه {عَلاَّمُ الغُيوبِ} وقرأ أبو رجاء: {عَلاَّمَ} بنصب الميم.
{قُلْ جاء الحقُّ} وهو الإِسلام والقرآن.
وفي المراد بالباطل ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الشيطان، لا يخلُق أحداً ولا يبعثُه، قاله قتادة.
والثاني: أنه الأصنام، لا تُبدئ خَلْقاً ولا تُحيي، قاله الضحاك. وقال أبو سليمان: لا يبتدئ الصنم من عنده كلاماً فيُجاب، ولا يرُدُّ ما جاء من الحق بحُجَّة.
والثالث: أنه الباطل الذي يُضادُّ الحق؛ فالمعنى: ذهب الباطل بمجيء الحقِّ، فلم تَبْقَ منه بقيَّة يُقبِل بها أو يُدبِر أو يُبدئ أو يعيد، ذكره جماعة من المفسرين.
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فانَّما أَضِلُّ على نفسي} أي: إِثم ضلالتي على نفسي، وذلك أنَّ كُفَّار مكَّة زعموا أنه قد ضَلَّ حين ترك دين آبائه، {وإِنِ اهتَديتُ فَبِما يوحي إِليَّ ربِّي} من الحكمة والبيان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5